الجمعة، 2 أبريل 2010

أظرف استراحة في كلام السياحة !


غزة _ مشيرة توفيق :
لكل زمن مصطلحاته اللغوية التي تشتق من واقع التعاملات والتبادلات والاحتكاكات بين الأمم ؛ وفي يومنا هذا وبسبب التقدم والتطور التكنولوجي مع تسليك المصالح أخذنا دون أن ندري نتداول مصطلحات وكلمات تحبيشية تساير الحالة مثل : الأخ بينتت ؛ حبيبي يا حج ؛ نقرزت ؛ وقلق على المفترق !
ولاعتقادنا بأن هذه الظاهرة تستحق التغطية نقلنا هذه الصور الناطقة إليكم :
أسامة (26عاما) يعمل سكرتيرًا في إحدى الجامعات ويقر باستخدامه للكثير من الألفاظ الغريبة التي يستخدمها الشباب في هذه الأيام ممثلا على ذلك بقوله :"عامل كركبة في المركبة" لمن يربك الآخرين بتوتره ، وقوله "حبيبي يا حج خليني أجوزك أمي " للمصر علي الزواج من فتاة معينة .
ويجتمع أسامة بشكل شبه يومي مع أصدقائه العزاب المضربين عن الزواج في مكان يسموه "المقعد" حيث يتفننون في ابتكار مثل هذه العبارات النابعة من "مللهم وإحباطهم" في أغلب الأحيان , أما في البيت فلا يحتمل والد أسامة الاستماع هذا الكلام "الأعوج" بينما تسكت أمه مندهشة.

ورغم إفلات بعض هذه العبارات منه أثناء عمله في الجامعة فإن أكثر ما يستفز أسامة أن يدخل عليه طالب فيقول له " حبيبي يا حج" بدلا من أستاذ.
ويكثر أسامة الذي يستثقل تلفظ الإناث بهذه الكلمات من ترديد عبارتي " التلفون بيرد وما حدا بيرن " عندما تكثر الاتصالات و " حكلي تحكلك" بمعنى ساعدني فأساعدك.
ويقول أسامة :" في إحدى اجتماعات الكلية أكثر العميد من طلباته لدرجة أشعرني بأنه يأمرني بمسح أرضية بيتهم فقلت باندفاع و غضب إيش يا حج شو رأيك أسخنلك السلطة , وضحك الأساتذة بطريقة أغضبت العميد وأوقعتني في ورطه ".
ويرى أسامة أن من المنطقي أن توصف هذه الكلمات بالشبابية لأن الشباب مثل "شباط ما في عليهم رباط " ومن الطبيعي أن تصدر منهم ألفاظ غير متوازنة , نافيًا تقبله للأشخاص المتحجرين الذين يعشقون الحديث بالفصحى الحديدية التي يعتبرها " مليئة بغبار التاريخ ولا تلائم روشنة العصر "
ويعتقد أسامة أن تحذيرات متخصصي اللغة العربية من خطورة هذه الألفاظ عليها أضخم بكثير مما يجب أن تكون علية إذ ليس من المنطقي أن تحل " نكشة راس " محل حيلة، أو "غبّر" محل اغرب عن وجهي في كتب و نصوص اللغة .
أما آمنة 22 عاما فتتهم أسامة بالتناقض و تتساءل هل يعني استخدامه لهذه الألفاظ عدم توازنه؛ معتقدة أن استخدام شبابنا العربي لها يرجع "لدفاشته" حينا ولسوء ظروفه أحيانا .
و تتميز آمنة بين زملائها باستخدامها لفظتي " قلق و كترة تايجر "عند إعجابها بشيء و "حريح أمك من غسيل أواعيك" عند استفزازها من شخص معين لدرجة أن سمتها إحدى زميلاتها ب " أبو الشباب " .
و ترى آمنة أن من السخافة أن تسمع كبار السن يتلفظون بها لأنها مصممة خصيصا على مقاسات "ضجر الشباب" .
و تقول :" سمعت في إحدى المرات عجوزًا عمره حوالي خمسون سنة يقول لصديقه من نفس السن والله أزعر و الشارع فاضي فلم أتماسك وانفجرت من الضحك "
و تعتقد آمنة أن التلفاز والابتكار هما المنبعين الأساسيين لهذه العبارات ؛ لافتةً إلى أن أمها تنزعج كثيرا من فوضويتها هذه و تطلب منها باستمرار أن تكون ناعمة حتى يعيد صاحب فكرة "البنات ألطف الكائنات" النظر في اعتقاده .
وتبين آمنة أن كثيرًا من الشباب _على خلاف أسامة _ يرون أن استخدام الإناث لهذه الكلمات " خفة دم " ؛ مدللةً بقولها : " في إحدى المرات أعجبتني صورة العرض التي يستخدمها صديق لي على الانترنت فقلت له _ إشي فاخر على الآخر _ فرد علي _ يا الله لو في منك على كروهات _ " .
وتفضل آمنة أن يستخدم مدرسوها لغةً وسطية ما بين العامة والفصحى المطلقة التي " مضى عليها ألف وتسعمائة وخشبة وخمسين سنة " ؛ موضحةً أن الطلاب يصفون أساتذة النحو الصرف الذين لا يكفون عن التوبيخ ب " المصديين " .
وتضحك آمنة عندما تتذكر يوم كانت تتدرب في إحدى الصحف وطلب منها أحدهم تعديل جزء من تقرير كتبته فرفضت وقالت : " لا مجال لفك العجال " فالتفت المدرب إليها مندهشًا مما جعلها تشعر بالخجل إلى أن وصلت إلى تسوية مع نفسها مفادها " هو فقر وقلة كيف " !
وعن أحمد (20 عامًا) _الذي يتصور أن حب الظهور واستعراض العضلات هو السبب الأكبر لإقبال الشباب على هذه الألفاظ _ فيتعرض دمًا للنصح واللوم من أسرته وبالأخص أمه التي تقول له مشمئزةً : " هي خلفة ولا سواد بخت " .
ويعترف أحمد بأن هذه العبارات مكونة من كلمات غامضة أو ليس لها معني وأحيانًا ليست عربية لذلك يحرص على تجنبها عند الحديث إلى الأشخاص الرسميين .
ويحب أحمد جملة " جاي لحالك ولا معلق في الشحن " التي تقال لمن يتدخل فيما لا يخصه وجملة " انت هيك ولا هواية كريك " لمن لا يعجبه منظره .
لكنه يختلف مع أسامة في الجانب الذي يتعلق بالإناث معتبرًا أن ضغوطات المجتمع الشرقي والكبت الذي يماس عليهن وأوقات فراغهن الكثيرة يمنحهن الحق في التخفيف عن أنفسهن باستخدام هذه العبارات .
وينبه أحمد إلى الأثر السلبي الذي ينعكس على جوانب الحياة جراء النفور من اللغة العربية المنضبطة ؛ مشيرًا إلى كلمات الأغنيات العربية التي تحولت خلال أعوام من " أراك عصي الدمع " إلى " شنكوتي " و " بوس الواوا " !
ويبين أحمد أنه يكون سعيدًا جدًا في داخله عند مقابلته شخص حريص على التحدث بالعربية لأنه بذلك يحيي لغة القرآن الكريم لكنه قد يسخر ظاهريًا لأن ذلك ليس اعتياديا في عصر الكاجوال .
ويفضل أحمد أن يتفاهم مع أساتذته باللغة العامية لأنه لا يستطيع أن يفهم جميع مصطلحات العربية الفصحى ولأن استيعابه للعامية أسرع ؛ معتقدًا أن السبب وراء ذلك هو التعود من جانب وتقصير المؤسسات التعليمية من جانب آخر .
ويهنئ أحمد آمنة على جرأتها في إبراز رأيها تجاه أساتذة النحو ؛ قائلاً : " في بداية دراستي الجامعية كنت أستعد مع أصدقائي لمحاضرة النحو والصرف فجاء أحد الزملاء أنيقًا بدرجة لم نعتادها فقلت له ممازحًا : مشخص والشارع فاضي بس جاي لحالك مع كرونة ، وبالصدفة سمع أستاذ المادة الجملة فوبخني وأجبرني على الاعتذار لزميلي أمام الطلاب " .
ويتوقع أحمد أن تنتشر هذه " الروشنة " كنتيجة طبيعية لاستمرار نفس الظروف في الأيام المقبلة .
وبعد الحرب التي شنت على أخصائيي اللغة العربية التقينا دكتور النحو والصرف إبراهيم بخيت لنعطيه فرصة كافية ليدافع فيها عن فريقه ويحلل خلالها الموضوع .
يقول الدكتور بخيت : " أود تصحيح مصطلح الألفاظ الشبابية واستبداله بمصطلح الكلمات الضبابية أو اللهجات المتشقلبة لأن اللغة العربية أصلية ليس فيها كلمات شبابية أو عجائزية " ؛ مضيفًا : " رغم أن جزءًا كبيرًا من هذه الألفاظ كان أعجميًا إلا أنني لا أنكر أن لها علاقة باللغة العربية من قريب أو بعيد .
ويوضح ذلك باعتباره جملة " قلق على المفترق " احتوت على السجع لتدل على الازدحام والاضطراب الحادث في الشوارع ، وكلمة "آفس" بدل آسف استخدمت القلب المكاني ، وحريجة بدل حريقة استخدمت الإبدال المكاني .
ويعتقد بخيت أن بيئة الأسرة والمدرسة والجامعة والعمل التي انتشرت تقنيات الاتصال عبرها لعبت دورًا فاعلاً في ابتكار وانتشار هذه الكلمات ؛ راصدًا ثلاثة أسباب رئيسية للإقبال الشديد عليها أولاها : اجتماعية وتتمثل في رغبة المتحدثين في التمويه والترميز لموضوعات معينة تتداول بين اثنين في حضور أطراف أخرى ، وثانيها : نفسية ويعبر عنها الحرص على لفت انتباه الآخرين والمزاح وإثارة المرح وتفريغ الطاقة السلبية ، وثالثها : فكرية ويمثلها حب التقليد لما يُشاهد ويُسمع في وسائل الإعلام .
ويتصور بخيت أن المراهقين من الإناث والذكور هم الأكثر إقبالاً على هذه الجمل المتشقلبة لما في مرحلتهم العمرية من جنوح نفسي وفكري واجتماعي وحب للمغامرة، متمنيًا أن لا يتحقق توقع أحمد لاستمرار انتشار هذه العبارات التي تتنافر مع حاجة المجتمع لشباب جاد وملتزم بدينه وأخلاقه ولفظه الطيب الحسن .
ويشكر بخيت آمنة على صراحتها في نقل الصورة ؛ معتبرًا أن النقد البناء هو السبيل الوحيد إلى إصلاح المراهقين والمثقفين عيوبهم، معتبرًا أن خطورة استخدام هذه " الموضة " تتمثل في الخروج عن حدود العادات والتقاليد، وجلب الضرر اللغوي الذي يثقل كاهل اللغة العربية بالابتعاد عن الفصحى والاقتراب من العامية، وزيادة المشكلات الاجتماعية الناتجة عن المزاح والسخرية ، وتعزيز الغزو الفكري .
ويشدد بخيت على ضرورة أن تولى المؤسسات الحكومية مسئوليتها في الإرشاد والرعاية والتوعية للشباب منذ صغرهم ، وإعطائهم الفرص لتوظيف قدراتهم وتفريغ طاقاتهم في خدمة القرآن من خلال الكتابية الأدبية والقراءة العلمية ، وزيادة المؤسسات والأندية والمنتديات المهتمة بذلك ، وفرض رقابة مسئولة على وسائل الإعلام الشعبية كالإذاعات والتلفاز .
وأيًا كانت الوسائل التي توصلنا لهدفنا في الرجوع إلى العربية الجميلة فإننا بحاجة إلى نية حقيقية وصادقة تكفل دربًا منيرًا لغاية مشرقة .